فصل: كتاب الجنايات

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


فصل‏:‏ في مسائل متفرقة

‏(‏قوله رهن عصيرا إلخ‏)‏ اعلم أن العصير المرهون إذا تخمر، فإما أن يكون الراهن والمرتهن مسلمين أو كافرين أو الراهن وحده مسلما أو بالعكس، فلو كافرين فالرهن بحاله تخلل أو لا، وفي الأقسام الباقية إن تخلل فكذلك، وإلا فهل للمرتهن أن يخلله فيه تفصيل، فلو مسلمين أو الراهن فقط جاز تخليله لأن المالية وإن تلفت بالتخمر لكن إعادتها ممكنة بالتخليل فصار كتخليص الرهن من الجناية‏.‏ وإذا جاز ذلك في المسلمين والخمر ليست بمحل بالنسبة إليهم فلأن يجوز في المرتهن الكافر بالأولى لأنها محل‏.‏ وأما لو الراهن كافرا فله أخذ الرهن، والدين على حاله لأن الخمرية لا تعدم المالية في حقه فليس للمرتهن المسلم تخليلها، فإن خللها ضمن قيمتها يوم خللها، كما لو غصب خمر ذمي فخللها والخل له، وتقع المقاصة لو دينه من جنس القيمة ويرجع بالزيادة إن نقصت قيمتها يوم التخليل، ولهذا إذا اشترى عصيرا فتخمر قبل القبض لا يبطل البيع لاحتمال صيرورته خلا درر ‏(‏قوله ثم المعتبر إلخ‏)‏ يشير إلى ما قاله شراح الهداية وغيرهم من أن ما ذكره المصنف كالهداية وغيرها مقيد بما إذا لم ينتقص شيء من كيله وأن قوله وهو يساوي العشرة وقع اتفاقا، فإنه إذا بقي كيله على حاله وانتقصت قيمته لا يسقط شيء من الدين، لأن الفائت مجرد وصف وبفواته في المكيلات والموزونات لا يسقط شيء من الدين ولكن الراهن يتخير كما إذا انكسر القلب إن شاء افتكه ناقصا بجميع الدين، وإن شاء ضمنه وتكون قيمته رهنا عندهما‏.‏ وعند محمد يفتكه ناقصا أو يجعله بالدين كذا في شرح الكافي، وإن لم تنتقص قيمته لا يخير فيبقى رهنا كما كان إتقاني وعناية ‏(‏قوله وإلا فلا‏)‏ إذ لا اعتبار بنقصان السعر كما مر‏.‏

‏(‏قوله هذا‏)‏ أي ما يفهم من مساواة القيمة للدين ‏(‏قوله لأنه لو كان قيمتها أكثر من الدين‏)‏ كما إذا كان الدين عشرة والشاة بعشرين والجلد بدرهم فالجلد رهن بنصف درهم، لأن بإزاء كل درهم من الشاة نصف درهم من الدين فيكون الجلد رهنا بنصف درهم ويسقط بإزاء اللحم تسعة ونصف وإن كان قيمتها أقل من الدين بأن كانت بخمسة والجلد بدرهم فالجلد رهن بستة، وإذا هلك الجلد بعد ذلك هلك بدرهم واحد فيرجع على الراهن بالخمسة الباقية من الدين، وتمام بيانه في الكفاية وغيرها ‏(‏قوله بلا ذبح‏)‏ أما إذا ذبحت كانت بتمامها مضمونة‏.‏ ط ‏(‏قوله بما لا قيمة له‏)‏ بأن تربه أو شمسه معراج ‏(‏قوله وهل يبطل الرهن‏:‏ قولان‏)‏ أحدهما يبطل ويصير الجلد رهنا بقيمة ما زاد الدباغ فيه، حتى لو أداها الراهن أخذ الجلد لأنه صار مرهونا بالدين الثاني حكما‏.‏ ثانيهما‏:‏ لا يبطل لأن الشيء يبطل بما هو مثله أو فوقه لا بما دونه، والرهن الثاني هنا دون الأول لأنه إنما استحق حبس الجلد بالمالية التي اتصلت بالجلد بحكم الدبغ وهي تبع للجلد‏.‏ والرهن الأول بما هو أصل بنفسه وهو الدين فيكون أقوى فلم يرتفع بالثاني ويثبت الثاني أيضا لأنه لا يمكن رده كفاية ملخصا ‏(‏قوله وهو يساوي درهما‏)‏ يعني يوم الرهن‏.‏ وأما إذا كانت قيمته درهمين فهو رهن بدرهمين ويعرف ذلك بأن ينظر إلى قيمة الشاة حية ومسلوخة، فإن كانت قيمتها حية عشرة ومسلوخة تسعة كانت قيمة الجلد يوم الارتهان درهما وإن كانت قيمتها مسلوخة ثمانية كانت درهمين عناية ‏(‏قوله على المشهور‏)‏ وهو قول العامة، ومن المشايخ من قال بعود البيع كالرهن إتقاني ‏(‏قوله يتقرر بالهلاك‏)‏ لأن المرتهن صار مستوفيا بالهلاك فيتأكد عقد الرهن، فإذا عادت المالية بالدباغ صادفت عقدا قائما فيثبت فيه حكمه بقسطه إتقاني ‏(‏قوله يفسخ به‏)‏ أي ينتقض بالهلاك ولا عود بعد انتقاض إتقاني

‏(‏قوله وجعل العبد‏)‏ بالبناء للمفعول‏:‏ أي جعل الراهن أو القاضي العبد بمقابلة دين المرتهن ط ‏(‏قوله يعود الدين‏)‏ أي إلا بقدر نقصان عيب الإباق كما يأتي له ط‏.‏ وفي بعض النسخ‏:‏ يعود الرهن، وفي بعضها يعود الدين في الرهن‏.‏

‏(‏قوله وهو رهن مع الأصل‏)‏ فيكون للراهن حبسه وينقسم الدين عليهما على قدر قيمتهما بشرط بقاء النماء إلى وقت الفكاك، وإن هلك قبل ذلك لم يسقط بمقابلته شيء ويجعل كأنه لم يكن كما سيوضحه‏.‏ ‏(‏قوله الأصل أن كل ما يتولد من عين الرهن‏)‏ أي أو يكون بدلا عن جزء من أجزاء عين الرهن كالأرش والعقر هندية

‏(‏قوله هلك مجانا‏)‏ أي إلا الأرش فإنه إذا هلك سقط من الدين ما بإزائه لأنه بدل جزئه فقام مقام المبدل كذا في القهستاني ح ‏(‏قوله أي ولو حكما إلخ‏)‏ هذا التعميم هو ما سيصرح به المصنف في قوله الآتي وإن لم يفتك الرهن إلخ ‏(‏قوله كما إذا هلك الأصل بعد الأكل‏)‏ الظاهر أنه أراد بقوله ‏"‏ أو لا بأن أكل بالإذن ‏"‏ عكس هذا وهو ما إذا أكل بعد هلاك الأصل، بأن هلك وبقي نماؤه كالثمرة ثم أكله وإلا لزم تشبيه الشيء بنفسه‏.‏ وعبارة القهستاني‏:‏ وإن هلك الأصل وبقي النماء ولو حكما، كما إذا أكل الراهن أو المرتهن أو أجنبي من النماء بالإذن فإنه لم يسقط حصة ما أكل منه فيرجع به على الراهن، وكما إذا هلك الأصل بعد الأكل فإنه يقسم الدين على قيمتها ويرجع على الراهن بقيمة ما أكل الكل في شرح الطحاوي ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله كما ذكره بقوله‏)‏ انظر ما مرجع الضمير المنصوب ‏(‏قوله فك‏)‏ أي النماء بحصته، فلو هلك أيضا بعد هلاك الأصل ذهب بلا شيء كأنه لم يكن وذهب كل الدين بهلاك الأصل، وتمامه في غرر الأفكار ‏(‏قوله والتبع يقابله شيء إذا كان مقصودا‏)‏ كولد المبيع فإنه يصير مبيعا تبعا ولا يصير له حصة من الثمن إلا إذا صار مقصودا بالقبض عندنا معراج ‏(‏قوله يوم الفكاك‏)‏ لأنه إنما صار مضمونا بالفكاك، إذ لو هلك قبله يهلك مجانا عناية ‏(‏قوله يوم القبض‏)‏ لأنه مضمون بالقبض كما تقدم عناية ‏(‏قوله فيسقط‏)‏ أي بسبب هلاك الأصل

‏(‏قوله وبه أفتى المصنف‏)‏ حيث سئل عمن رهن نخلا وأباح للمرتهن ثمارها هل يملك أن يبيعها ويتمولها أم يملك الأكل بنفسه فقط‏؟‏ فأجاب‏:‏ ظاهر كلامهم أن له التصرف مطلقا إذ الظاهر أن المراد من قولهم فأكلها أكلها أو أكل ثمنها إلا أن يوجد نقل صريح بتخصيص الأكل دون غيره ا هـ‏.‏ من حاشية الحموي ملخصا‏.‏ وأورد عليه أن المعنى الحقيقي هو الظاهر، ومدعي الأعمية محتاج إلى الدليل‏.‏ قلت‏:‏ وسيذكر الشارح عن الجواهر‏:‏ ولو أباح له نفعه ليس له أن يؤجره تأمل‏.‏ وقال السائحاني‏:‏ أقول ظاهره أن أكل الزوائد المأكولة إنما هو أكل نفسها لا أكل بدلها وهذا أمر مكشوف لكل أحد بالبديهة ا هـ‏.‏ نعم يظهر ذلك إذا كانت مما لا يؤكل كما ذكره الرحمتي ‏(‏قوله لأنه أتلفه بإذن المالك‏)‏ فيه إشارة إلى أنه لو أتلفه بغير إذنه ضمن وكانت القيمة رهنا مع الشاة، وكذا لو فعل الراهن ذلك بدون إجازة المرتهن عناية ‏(‏قوله والإطلاق‏)‏ أي الإباحة ا هـ‏.‏ ح ‏(‏قوله يجوز تعليقه‏)‏ لأنه ليس بتمليك إتقاني ‏(‏قوله بالشرط‏)‏ وهو قوله هنا مهما زاد فكله ‏(‏قوله والخطر‏)‏ بالخاء المعجمة والطاء المهملة‏:‏ الإشراف على الهلاك كما في القاموس والمغرب، والمراد به هنا ما احتمل الوجود والعدم فهو بمعنى الشرط تأمل‏.‏ ‏(‏قوله وعليه يحمل إلخ‏)‏ بأن يراد من نفي الحل الكراهة ‏(‏قوله ما عن محمد بن أسلم‏)‏ الذي في المنح أول كتاب الرهن عبد الله بن محمد بن مسلم ا هـ‏.‏ ح‏.‏ أقول‏:‏ ما قدمناه عن المنح هناك ومثله في غيرها موافق لما هنا ولعل النسخ مختلفة ‏(‏قوله قلت إلخ‏)‏ ظاهره تسليم القول بالكراهة مع الإذن وأنه ربا، ومقتضاه أنه مضمون، لكن قدمنا عن المنح أول الرهن أنه مخالف لعامة المعتبرات، وتقدم بيان ذلك كله مستوفى فراجعه‏.‏

‏(‏قوله وما أصاب الزيادة‏)‏ كثلث العشرة في مثاله السابق ‏(‏قوله كإتلاف الراهن بنفسه‏)‏ فلا يسقط ما يقابله من الدين لكونه غير مضمون على المرتهن، بخلاف الهالك في يده‏.‏ ‏(‏قوله قال له إلخ‏)‏ في التتارخانية‏:‏ آجر المرتهن الرهن من أجنبي بلا إذن فالغلة له ويتصدق بها عند أبي حنيفة ومحمد، وله أن يعيده في الرهن ‏(‏قوله وبطل الرهن‏)‏ حتى لا يسقط دين المرتهن بهلاكه عند المستأجر ط، ولا يعود رهنا إلا بتجديد تتارخانية، وكذا لو آجر الراهن المرتهن على ما مر في الباب السابق ‏(‏قوله وتسلمه المرتهن‏)‏ أما إذا لم يتسلمه لا يتم الرهن أو لا يصح على الخلاف السابق ط ‏(‏قوله ثم باع‏)‏ أي الراهن‏.‏ ‏(‏قوله فقبض المرتهن الثمن‏)‏ لأنه إذا جاز البيع يصير الثمن رهنا، لكن القبض غير شرط فإنه يصير رهنا وإن لم يقبض كما قدمناه أول الباب السابق ‏(‏قوله وإلا يكون رهنا‏)‏ أي مع ثمن المبيع الذي قبضه ط ‏(‏قوله كما مر‏)‏ أي قريبا في قوله حتى لو أراد منعه كان له ذلك ‏(‏قوله لو من قناة مملوكة‏)‏ هذا خلاف المفتى به من أنه لا يضمن إلا ما ملكه بالإحراز كما مر في كتاب الشرب، وماء القناة غير محرز‏.‏

‏(‏قوله ينبغي أن تبقى رهنا إلخ‏)‏ جزم به في الخانية فقال‏:‏ زرع أو سكن بإذن المرتهن لا يبطل الرهن وله أن يسترده، وما دام في يد الراهن لا يضمنه المرتهن‏.‏

‏(‏قوله بقي فيما بقي‏)‏ لأنه يمكن رهن ذلك الباقي ابتداء لعدم الشيوع‏.‏ ‏(‏قوله لكن هلكه بحصته‏)‏ أي وإن كان في قيمته وفاء بجميع الدين كما في الخانية‏.‏ ‏(‏قوله ثم رهنها منه‏)‏ أي من المستأجر‏.‏ ‏(‏قوله وبطلت الإجارة‏)‏ ظاهره أنها تبطل بمجرد عقد الرهن وليس كذلك بل لا بد من القبض كما في القنية‏.‏ وأما عكسه وهو ما إذا آجر الراهن الرهن من المرتهن ينفسخ بمجرد عقد الإجارة ولا يحتاج إلى تجديد قبض كما يفيده كلام البزازية، لكن في العمادية أنه لا بد منه، حتى لو هلك قبل أن يجدد قبضا للإجارة يهلك الرهن ا هـ‏.‏ وهذا مشكل لأنه قرر في العمادية أن قبض المضمون بغيره ينوب عن قبض غير المضمون، وتمامه في حاشية الأشباه للشرف الغزي، وقدمنا في الفصل السابق عن العناية اشتراط تجديد القبض‏.‏ ‏(‏قوله فالإجارة باطلة‏)‏ وتكون كما لو أعاره أو أودعه منه فلا تبطل عقد الرهن‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قال في النهاية‏:‏ سئل الإمام أبو الحسن الماتريدي عمن باع داره من آخر بثمن معلوم بيع وفاء، وتقابضا ثم استأجرها من المشتري مع شرائط صحة الإجارة وقبضها ومضت مدة هل تلزمه الأجرة قال لا، فإنه عندنا رهن والراهن إذا استأجر الرهن من المرتهن لا تجب الأجرة‏.‏ ا هـ‏.‏ خيرية‏.‏ ثم نقل فيها عن البزازية ما يوافقه، وأفتى به غير مرة والكل في فتاواه المشهورة حامدية فليحفظ فإنه كثير الوقوع‏.‏

‏.‏ ‏(‏قوله سقط بحساب نقصه‏)‏ أي سقط من دين المرتهن ما نقصته قيمة الآبق بسبب إباقه ط، وهذا إذا كان أول إباق كما يشعر به التعليل، فإن كان أبق قبل ذلك لا يسقط شيء بزازية‏.‏

‏(‏قوله ثم لما فرغ من الزيادة الضمنية‏)‏ وهي نماء الرهن ومراده بالضمنية ما لم يقع عليه الرهن قصدا ط‏.‏ ‏(‏قوله والزيادة في الرهن تصح‏)‏ مثل أن يرهن ثوبا بعشرة يساوي عشرة ثم يزيد الراهن ثوبا آخر ليكون مع الأصل رهنا بالعشرة عناية‏.‏ ‏(‏قوله يوم القبض أيضا‏)‏ أي يوم قبض الزيادة كما تعتبر قيمة الأصل يوم قبضه‏.‏ ‏(‏قوله وفي الدين لا تصح‏)‏ المراد أن لا يكون الرهن بها مضمونا، فأما الزيادة في نفسها فجائزة‏.‏ وصورة المسألة أن يرهن عنده عبدا يساوي ألفين بألف ثم استقرض منه ألفا أخرى على أن يكون العبد رهنا بهما جميعا، فلو هلك يهلك بالألف الأولى لا بالألفين ولو قضاه ألفا وقال‏:‏ ‏"‏ إنما قضيتها عن الأولى ‏"‏ له أن يسترد العبد إتقاني ‏(‏قوله في معقود به‏)‏ كالثمن أو عليه كالمبيع ط‏.‏ ‏(‏قوله والزيادة في الدين ليست منهما‏)‏ بل أصل الدين ليس منهما‏.‏ قال في العناية‏:‏ أما إنه غير معقود عليه فظاهر، وأما إنه ليس بمعقود به فلوجوبه بسببه قبل عقد الرهن، بخلاف الرهن فإنه معقود عليه لأنه لم يكن محبوسا قبل عقد الرهن ولا يبقى بعده‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

قال في الذخيرة‏:‏ وفي العيون عن محمد رهن غلامين بألف ثم قال المرتهن‏:‏ احتجت إلى أحدهما فرده علي‏.‏ ففعل فإن الباقي رهن بنصف الألف فلو هلك يهلك من الدين نصفه ولكن لا يفتكه إلا بجميع الألف ا هـ‏.‏ فليحفظ‏.‏ ‏(‏قوله مع أنه‏)‏ أي المصنف‏.‏ ‏(‏قوله ليفيد أنها مسألة مستقلة‏)‏ وهي بيان حكم تبديل الرهن الأول برهن آخر‏.‏ ‏(‏قوله وقيمة كل من العبدين ألف‏)‏ كذا قيد في الهداية، وهو قيد اتفاقي لما في التتارخانية عن التجريد‏:‏ وإن كانت قيمة الأول خمسمائة والثاني ألفا والدين كذلك فهلك يهلك بألف، وكذا إذا كانت قيمة الثاني خمسمائة والأول ألفا فهلك الثاني في يده هلك بخمسمائة ا هـ‏.‏ ولذا ترك القيد في الخانية‏.‏ ‏(‏قوله حتى يجعل مكان الأول‏)‏ لأن الأول إنما دخل في ضمانه بالقبض والدين وهما باقيان فلا يخرج عن الضمان إلا بنقض القبض ما دام الدين باقيا وإذا بقي الأول في ضمانه لا يدخل الثاني في ضمانه لأنهما رضيا بدخول أحدهما فيه لا بدخولهما، فإذا رد الأول دخل الثاني في ضمانه، ثم قيل‏:‏ يشترط تجديد القبض لأن يد المرتهن على الثاني يد أمانة ويد الراهن يد استيفاء وضمان فلا ينوب عنه، وقيل لا يشترط وتمامه في الهداية‏.‏ وذكر القهستاني أن الأول هو المختار عند قاضي خان‏.‏ وأفاد بعض الفضلاء أن عادة صاحب الهداية اختيار الأخير عكس عادة قاضي خان ومقتضاه ترجيح الأول تأمل‏.‏

‏(‏قوله إلا إذا منعه من صاحبه‏)‏ أي عند طلبه منه ثم هلك بعده

‏(‏قوله أو شرى المرتهن‏)‏ أي من الراهن‏.‏ ‏(‏قوله لأنه‏)‏ أي لأن كل واحد من الشراء والصلح على عين استيفاء عناية أي إذا كان عن قرار فهو استيفاء لأنه يجب على الدائن مثله بالشراء والصلح عنه كفاية أي فيسقط بطريق المقاصة‏.‏ ‏(‏قوله على آخر‏)‏ أي سواء كان للراهن عليه دين أو لا، وفيه إشعار بأن للراهن أخذ الرهن من المرتهن بعد الحوالة كما في موضع من الزيادات، وفي موضع آخر ليس له قهستاني‏.‏ ‏(‏قوله هلك بالدين‏)‏ والفرق أن الإبراء يسقط به الدين أصلا كما قدمه، وبالاستيفاء لا يسقط، لما تقرر أن الديون تقضى بأمثالها لا أنفسها لأن الدين وصف في الذمة لا يمكن أداؤه، لكن إذا أدى المديون وجب له على الدائن مثله فتسقط المطالبة لعدم الفائدة، فإذا هلك الرهن بعده تقرر الاستيفاء الأول الحكمي وانتقض الثاني لئلا يصير مستوفيا مرتين‏.‏ ‏(‏قوله أو متطوع‏)‏ ويعود إلى ملك المتطوع لا المتطوع عنه خانية‏.‏ ‏(‏قوله أو شراء أو صلح‏)‏ كذا في المنح والدرر، ولي فيه نظر‏:‏ فإن الذي قبضه المرتهن في صورتي الشراء والصلح هو العين المبيعة والمصالح عليها، وقد صرح في النهاية والعناية وغاية البيان أنه إذا هلك الرهن في هاتين الصورتين يجب على المرتهن رد قيمته، ولم يقولوا يجب رد العين فاقتضى ذلك أنه لا ينتقض الشراء والصلح، وقد رأيت التصريح بذلك في الحواشي السعدية ووجهه ظاهر، لأن ذلك عقد معاوضة فما وجه بطلانه بهلاك الرهن، بخلاف الاستيفاء بالأداء والحوالة، هذا ما ظهر لي من فيض الفتاح العليم‏.‏ ‏(‏قوله وهلك الرهن بالدين‏)‏ أعاده ليبني عليه التعليل‏.‏ ‏(‏قوله لأنه‏)‏ أي لأن عقد الحوالة في معنى الإبراء بطريق الأداء دون الإسقاط‏.‏ وفي بعض نسخ الهداية في معنى البراءة وهي أظهر‏.‏ والحاصل كما في الكفاية أن الحوالة لا تسقط الدين ولكن ذمة المحتال عليه تقوم مقام ذمة المحيل ولهذا يعود الدين إلى ذمة المحيل إذا مات المحتال عليه مفلسا‏.‏ ‏(‏قوله ومفاده‏)‏ أي مفاد تقييد المصنف البطلان بالحوالة ‏(‏قوله عدم بطلان الصلح‏)‏ قدمنا التصريح به عن السعدية وأنه مقتضى كلام شراح الهداية وإن اقتضى كلامه السابق خلافه، والشراء مثل الصلح فافهم‏.‏ ‏(‏قوله وأن الدين إلخ‏)‏ هذا إنما يؤخذ من التعليل الذي ذكره القهستاني‏.‏ وعبارته‏:‏ وتبطل الحوالة بالهلاك لحصول الاستيفاء كما في النظم وغيره، وفيه إشعار بأن الدين ليس بأكثر من قيمة الرهن وإلا فينبغي أن لا تبطل الحوالة فيما زاد عليها لأن الاستيفاء التام لم يتحقق وإلى أن الصلح لم يبطل ا هـ‏.‏ ط أقول‏:‏ قدم الشارح أول كتاب الإجارة أن المصنف اعتمد أنه إذا فسد العقد في البعض فسد في الكل تأمل

‏(‏قوله ثم هلك الرهن بالدين‏)‏ الأولى إسقاط قوله بالدين لأن قوله يهلك به مغن عنه ‏(‏قوله لتوهم وجوب الدين إلخ‏)‏ لأن الرهن مضمون بالدين عند توهم الوجود كما في الدين الموعود، وقد بقيت الجهة لاحتمال أن يتصادقا على قيام الدين بعد تصادقهما على عدمه، بخلاف الإبراء لأنه سقط به درر لكن في التبيين وغيره عن مبسوط شمس الأئمة لو تصادقا قبل هلاك الرهن ثم هلك يهلك أمانة لأنه بتصادقهما ينتفي الدين من الأصل، وضمان الرهن لا يبقى بدون الدين، وذكر الإسبيجابي أنه الصواب ا هـ‏.‏ واختار صاحب الهداية هلاكه مضمونا في الصورتين سعدية‏.‏

‏(‏قوله فهو الحكم في الرهن الفاسد‏)‏ أي في حال الحياة والممات، فلو نقض الراهن العقد بحكم الفساد وأراد استرداد المرهون كان للمرتهن حبسه حتى يؤدي إليه الراهن ما قبض، وإذا مات الراهن وعليه ديون كثيرة فالمرتهن أولى من سائر الغرماء، وهذا كله إذا كان الرهن الفاسد سابقا على الدين، فلو كان بدين على الراهن قبل ذلك لم يكن له حبسه لأنه ما استفاد تلك اليد بمقابلة هذا المال ويكون بعد الموت أسوة للغرماء لأنه ليس له على المحل يد مستحقة بخلاف الرهن الصحيح تقدم أو تأخر، وتمامه في العمادية والذخيرة والبزازية‏.‏ ‏(‏قوله يتعلق به الضمان‏)‏ صوابه لا يتعلق لأن المنقول عن الكرخي في العمادية وغيرها أنه يهلك أمانة‏.‏ وفي الذخيرة‏:‏ وروى ابن سماعة عن محمد أنه ليس للمرتهن حبسه لأنه إصرار على المعصية، ولكن ما في ظاهر الرواية أصح لأن الراهن لما نقض فقد ارتفعت المعصية، وحبس المرتهن المرهون ليصل إلى حقه لا يكون إصرارا لأن الراهن يجبر على تسليم ما قبض، فإذا امتنع فهو المصر، ألا ترى أن في الشراء الفاسد للمشتري الحبس إلى استيفاء الثمن ا هـ‏.‏ ملخصا‏.‏ ‏(‏قوله أي لم يكن مالا‏)‏ كالمدبر وأم الولد فإن للراهن أخذهما لأن رهنهما باطل منح‏.‏ ‏(‏قوله ولم يكن المقابل به مضمونا‏)‏ كما لو رهن عينا بخمر مسلم فله أخذها منه والواو بمعنى أو قال في جامع الفصولين‏:‏ فلو فقد أحدهما لم ينعقد أصلا ‏(‏قوله بخلاف الفاسد‏)‏ مستغنى عنه بقول المصنف كل حكم إلخ‏.‏ ط

‏(‏قوله رهن الرهن باطل‏)‏ أي إذا رهنه الراهن أو المرتهن بلا إذن، فلو بإذن صح الثاني وبطل الأول، وقدمنا بيانه في باب التصرف في الرهن ‏(‏قوله كما حررناه في العارية‏)‏ حيث قال فيها‏.‏ وأما الرهن فكالوديعة‏.‏ وقال المصنف في العارية‏:‏ ولا تؤجر ولا ترهن كالوديعة ا هـ‏.‏ ط‏.‏ ‏(‏قوله ومجنيه إلخ‏)‏ خبر لمبتدأ محذوف تقديره أي جان وضمير يشطر يعود إلى الواجب بالجناية ط‏.‏ قال ح‏:‏ يعني أي جان إذا مات من جنى عليه يجب شطر الدية وإن عاش تجب الدية كاملة الجواب‏:‏ ختان قطع الحشفة إن مات الصبي وجب عليه الدية وإن عاش وجبت كاملة؛ وكذلك في العبد يجب نصف القيمة وتمامها لأنه حصل التلف بمأذون فيه وهو قطع القلفة؛ وغير مأذون فيه وهو قطع الحشفة‏.‏ ا هـ‏.‏ وتقدمت المسألة في باب ضمان الأجير؛ وستأتي أيضا قبيل باب القسامة‏.‏ ‏(‏قوله هذا التفسير‏)‏ في بعض النسخ تفسير بدون أل، وهو الأوضح والإشارة إلى قوله وأي رهين إلخ أي هذا تفسير وبيان قوله تعالى‏:‏ ‏{‏كل نفس‏}‏ الآية‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏

كتاب الجنايات

‏(‏قوله وحكم الجناية‏)‏ هو القصاص أو الدية والكفارة وحرمان الإرث ط ‏(‏قوله والمال وسيلة‏)‏ جواب عما يقال كان الأولى تقديم الجنايات لأهميتها بتعلقها بالأنفس ط‏.‏ قلت‏:‏ وما مر من مناسبة الرهن لما قبله تغني عن هذا ‏(‏قوله اسم لما يكتسب‏)‏ وهي في الأصل مصدر ثم أريد به اسم المفعول ‏(‏قوله والجناية بما حل بنفس وأطراف‏)‏ أي في هذا الكتاب وإلا في جنايات الحج لم تتعلق بنفس الآدمي ولا طرف من إطلاق الفقهاء عليها الجناية شرنبلالية ‏(‏قوله وإلا‏)‏ أي وإن لم يرد بالقتل هنا القتل المذكور لم يصح الحصر في الخمسة‏:‏ والحاصل أن المراد هنا قتل محرم، فلا يشمل القتل المأذون به شرعا كقصاص ورجم ‏(‏قوله أن يتعمد ضربه‏)‏ أي ضرب المقتول، فيخرج العمد فيما دون النفس سعدي، ولم يقل أن يتعمد قتله لما سيذكره الشارح قريبا أنه لو أراد يد رجل فأصاب عنقه فهو عمد، ولو عنق غيره فخطأ، ولذا قال في المجتبى‏:‏ إن قصد القتل ليس بشرط لكونه عمدا، وإليه أشار الشارح بقوله في أي موضع من جسده، واحترز بالتعمد عن الخطأ وبقوله بآلة إلخ عن الباقي ‏(‏قوله بآلة تفرق الأجزاء‏)‏ إنما شرط فيها ذلك لأن العمد هو القصد ولا يوقف عليه إلا بدليله، ودليله استعمال القاتل آلته فأقيم الدليل مقام المدلول، لأن الدلائل تقوم مقام مدلولاتها في المعارف الظنية الشرعية منح، وهو صريح في أنه يجب القصاص وإن لم يذكر الشهود العمد وبه صرح الأتقاني‏.‏ وفي أنه لا يقبل قول القاتل لم أقصد قتله، بخلاف ما لو أقر وقال أردت غيره فيحمل على الأدنى وهو الخطأ، وتمامه في حاشية الرملي، وسنذكره إن شاء الله تعالى في باب الشهادة على القتل ‏(‏قوله جوهرة‏)‏ عبارتها العمد ما تعمد قتله بالحديد كالسيف والسكين والرمح والخنجر والنشابة والإبرة وإلا شفي وجميع ما كان من الحديد، سواء كان يقطع أو يبضع كالسيف ومطرقة الحداد والزبرة وغير ذلك، سواء كان الغالب منه الهلاك أم لا‏.‏ ولا يشترط الجرح في الحديد في ظاهر الرواية لأنه وضع للقتل، قال تعالى‏:‏ ‏{‏وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد‏}‏ وكذا كل ما يشبه الحديد كالصفر والرصاص والذهب والفضة، سواء كان يبضع أو يرض‏:‏ حتى لو قتله بالمثقل منها يجب عليه القصاص كما إذا ضربه بعمود من صفر أو رصاص ا هـ‏.‏ وروى الطحاوي عن الإمام اعتبار الجرح في الحديد ونحوه قال الصدر الشهيد‏:‏ وهو الأصح، ورجحه في الهداية وغيرها كما سيأتي في الفصل الآتي في مسألة المر‏.‏ قلت‏:‏ وعلى كل فالقتل بالبندقة الرصاص عمد لأنها من جنس الحديد وتجرح فيقتص به، لكن إذا لم تجرح لا يقتص به على رواية الطحاوي كما أفاده ط عن الشلبي‏.‏ والإشفن بالشين المعجمة‏:‏ ما يخرز به كما في القاموس ‏(‏قوله ومحدد من خشب‏)‏ أي بأن نحت حتى صار له حدة يقطع بها، وليس المراد ما يكون في طرفه حديد كما وهم؛ لأنه مسألة المر الآتية، وفيها تفصيل وخلاف ‏(‏قوله وإبرة في مقتل‏)‏ قال في الاختيار‏:‏ روى أبو يوسف عن أبي حنيفة فيمن ضرب رجلا بإبرة وما يشبهها عمدا فمات لا قود فيه، وفي المسلة ونحوها القود؛ لأن الإبرة لا يقصد بها القتل عادة ويقصد بالمسلة‏.‏ وفي رواية أخرى إن غرز بالإبرة في المقتل قتل وإلا فلا ا هـ‏.‏ وقال في البزازية‏:‏ غرزه بإبرة حتى مات يقتص به؛ لأن العبرة للحديد‏.‏ وقال في موضع آخر لا قصاص إلا إذا غرزه في المقتل، وكذا لو عضه ا هـ‏.‏ وفي شرح الوهبانية‏:‏ في الإبرة القود في ظاهر الرواية ا هـ‏.‏ وفي القهستاني وعليه الفتوى ا هـ‏.‏ وجزم بعدمه في الخانية‏.‏ أقول‏:‏ يمكن أن يكون التقييد بالمقتل توفيقا فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله وليطة‏)‏ بكسر اللام‏:‏ قشر القصب اللازق به ط عن الحموي ‏(‏قوله عطف على محدد‏)‏ أي لا على خشب؛ لأنها ليست من المحدد‏:‏ قال سعدي‏:‏ وينبغي أن يكون من قبيل علفتها تبنا وماء باردا إذ الواقع في صورة النار هو الإلقاء فيها لا الضرب بها ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله؛ لأنها تشق الجلد إلخ‏)‏ بيان لكونها من العمد ‏(‏قوله كما في الكفاية‏)‏ قال ط‏:‏ ونحوه في الخزانة والنهاية حموي عن المقدسي ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وفي البرهان إلخ‏)‏ ذكر هذه النقول الثلاثة نقضا لعكس الكلية وهو قوله وإلا فلا، وهو ظاهر؛ لأن المشروط في الذكاة فري الأوداج وإنهار الدم، وذلك لا يحصل بالسنجة والتنور المحمي والإبرة، ولذا أعاد مسألة الإبرة وإن كان ذكرها آنفا فافهم ‏(‏قوله غير محدد‏)‏ أي لا حد له ‏(‏قوله كالسنجة‏)‏ في القاموس‏:‏ سنجة الميزان مفتوحة وبالسين أفصح من الصاد ا هـ‏.‏ وذكر في فصل الصاد‏:‏ الصنج شيء يتخذ من صفر يضرب أحدهما بالآخر، وآلة بأوتار يضرب بها ا هـ‏.‏ زاد في المغرب‏:‏ ويقال لما يجعل في إطار الدف من الهنات المدورة صنوج أيضا ‏(‏قوله أظهرهما أنها عمد‏)‏ بناء على عدم اشتراط الجرح في الحديد ونحوه ‏(‏قوله وإن لم يكن فيه نار‏)‏ أي على الصحيح قهستاني‏.‏ وفيه‏:‏ لو قيد بحبل ثم ألقي في قدر فيه ماء مغلي جدا فمات من ساعته أو فيه ماء حار فأنضج جسده ومكث ساعة ثم مات قتل به كما في الظهيرية ‏(‏قوله بما لا تطيقه البنية‏)‏ أي البدن‏.‏ في القاموس‏:‏ البنية بالضم والكسر ما بنيته‏.‏ وبنى الطعام بدنه‏:‏ سمنه، ولحمه أنبته ‏(‏قوله فإن حرمته‏)‏ الأولى وحرمته ط ‏(‏قوله أشد من إجراء كلمة الكفر‏)‏ أي أشد من الكفر الصوري، فإنه إذا أكره عليه بملجئ يرخص مع اطمئنان القلب إحياء لنفسه، ولو أكره بالقتل على قتل غيره لا يرخص أصلا لاستواء النفسين، واحترز به عن الكفر القلبي فإنه أشد ولا يرخص بحال‏.‏ وفي الجوهرة‏:‏ واعلم أن قتل النفس بغير حق من أكبر الكبائر بعد الكفر بالله تعالى وتقبل التوبة منه فإن قتل مسلما ثم مات قبل التوبة منه لا يتحتم دخوله النار بل هو في مشيئة الله تعالى كسائر أصحاب الكبائر، فإن دخلها لم يخلد فيها ا هـ‏.‏ وأما الآية فمؤولة بقتله لإيمانه أو بالاستحلال أو بأن يراد بالخلود المكث الطويل، وسيذكر الشارح في آخر الفصل الآتي عن الوهبانية أنه لا تصح توبة القاتل ما لم يسلم نفسه للقود ‏(‏قوله وموجبه القود‏)‏ بفتح الواو أي القصاص، وسمي قودا؛ لأنهم يقودون الجاني بحبل وغيره قاله الأزهري ا هـ‏.‏ سعدي‏.‏ ثم إنما يجب القود بشرط في القاتل والمقتول يذكر في الفصل الآتي ‏(‏قوله فلا يصير مالا إلخ‏)‏ تفريع على قوله عينا‏:‏ أي ليس لولي الجناية العدول إلى أخذ الدية إلا برضا القاتل، وهو أحد قولي الشافعي، وفي قوله الآخر الواجب أحدهما لا بعينه ويتعين باختياره والأدلة في المطولات ‏(‏قوله فيصح صلحا‏)‏ أي إذا كان القود عندنا هو الواجب في العمد فلا ينقلب مالا إلا من جهة الصلح ‏(‏قوله ولو بمثل الدية أو أكثر‏)‏ أطلقه فشمل ما لو كان من جنسها أو من غيره حالا أو مؤجلا كما في الجوهرة، وأشار إلى خلاف الشافعي، فإنه على قوله الثاني لو صالح على أكثر من الدية من جنسها لا يصح؛ لأنه يصير ربا ويصح على قوله الأول، وتمامه في الكفاية ‏(‏قوله؛ لأنه كبيرة محضة‏)‏ وذلك بنص الحديث الصحيح وهو قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أكبر الكبائر الإشراك بالله تعالى وقتل النفس وعقوق الوالدين، وقول الزور، أو قال شهادة الزور» رواه البخاري ‏(‏قوله وفي الكفارة معنى العبادة‏)‏ بدليل أن للصوم والإعتاق فيها مدخلا فهي دائرة بين العبادة والعقوبة، فلا بد أن يكون سببها أيضا دائرا بين الحظر والإباحة لتعلق العبادة بالمباح والعقوبة بالمحظور كالخطأ فإن فيه معنى الإباحة‏.‏ أما العمد فهو كبيرة محضة كالزنا والسرقة والربا، ولا يقاس على الخطأ؛ لأن الكفارة من المقدرات فلا تثبت بالقياس ولأن الخطأ دونه في الإثم، وتمامه في المطولات ‏(‏قوله لكن في الخانية إلخ‏)‏ أي في آخر فصل المعاقل‏.‏ أقول‏:‏ لكنه مخالف لما في المشروح كالنهاية والعناية والمعراج من أنه لا كفارة في العمد وجب فيه القصاص أو لا كالأب إذا قتل ابنه عمدا والمسلم إذا قتل من أسلم في دار الحرب ولم يهاجر إلينا عمدا ا هـ‏.‏ فتأمل‏.‏

‏(‏قوله والثاني شبهه‏)‏ بفتحتين أو بكسر فسكون‏:‏ أي نظير العمد ويقال له شبه الخطأ؛ لأن فيه معنى العمدية باعتبار قصد الفاعل إلى الضرب، ومعنى الخطأ باعتبار عدم قصده إلى القتل إذ ليست الآلة آلة قتل ا هـ‏.‏ من الدرر والقهستاني‏.‏ وزاد الأتقاني أنه يسمى خطأ العمد ‏(‏قوله كبيرين‏)‏ فلو صغيرين فهو شبه عمد اتفاقا ‏(‏قوله خلافا لغيره‏)‏ أي للإمامين والأئمة الثلاثة فإنه عمد عندهم لما مر من تعريفه عندهم‏.‏ قال القهستاني‏:‏ واعلم أن ما ذكره من أحكام الإثم والقود والكفارة كما لزم في العمد وشبهه عنده لزم عند هما إلا أن العمد عندهما ضربه قصدا بما يقتل غالبا وشبه العمد بما لا يقتل غالبا، فلو غرق في الماء القليل ومات ليس بعمد ولا شبه عمد عندهم، ولو ألقي في بئر أو من سطح أو جبل ولا يرجى منه النجاة كان شبه عمد عنده وعمدا عندهما ويفتى بقوله كما في التتمة ا هـ‏.‏ وتمام هذه المسائل يذكر في الفصل الآتي‏.‏ وفي المعراج عن المجتبى‏:‏ يشترط عند أبي حنيفة أي في شبه العمد أن يقصد التأديب دون الإتلاف ‏(‏قوله وموجبه الإثم‏)‏ أي إثم القتل لتعمد الضرب ا هـ‏.‏ مكي عن البرهان والذي يفيده كلام الزيلعي أن عليه إثم الضرب لا القتل حيث قال أثم إثم الضرب؛ لأنه قصده لا إثم القتل؛ لأنه لم يقصده، وهذه الكفارة تجب بالقتل وهو فيه مخطئ ولا تجب بالضرب ا هـ‏.‏ ويدل على ذلك تعليل البرهان بقوله لتعمد الضرب فتعليله ينافي مدعاه، ولو قيل بإناطة الإثم بالقصد، فإن قصد القتل أثم إثمه، وإن قصد الضرب أثم إثمه لكان له وجه ا هـ‏.‏ ط ‏(‏قوله ودية مغلظة‏)‏ أي من مائة إبل، فلو قضى بالدية في غير الإبل لم تتغلظ قهستاني، وتؤخذ أرباعا من بنت مخاض وبنت لبون وحقة وجذعة كما يأتي ‏(‏قوله على العاقلة‏)‏ أي الناصرة للقاتل قهستاني والأصل أن كل دية وجبت بالقتل ابتداء لا لمعنى يحدث من بعد فهي على العاقلة اعتبارا بالخطأ وتجب في ثلاث سنين هداية‏.‏ واحترز بقوله ابتداء عن دية وجبت بالصلح في القتل العمد أو على الوالد بقتل ولده عمدا كفاية‏.‏ والحاصل أن شبه العمد كالخطأ إلا في حق الإثم، وصفة التغليظ في الدية زيلعي‏.‏ واعلم أن المال الواجب بالعمد المحض يجب في مال القاتل فيما دون النفس، وفي النفس وفي الخطأ فيهما على العاقلة، وفي شبه العمد لو نفسا على العاقلة، وفيما دونها وإن بلغ الدية على القاتل ا هـ‏.‏ بزازية ‏(‏قوله سيجيء تفسير ذلك‏)‏ أي تفسير الكفارة والدية والمغلظ منها في كتاب الديات وتفسير العاقلة في كتاب المعاقل ‏(‏قوله إلا أن يتكرر منه‏)‏ ظاهره ولو مرتين، ويدل عليه ما نذكره بعد في الفصل الآتي ‏(‏قوله فليس فيما دون النفس شبه عمد‏)‏؛ لأنه لا يختص بآلة دون آلة، فلا يتصور فيه شبه العمد، بخلاف النفس، وتمامه في الزيلعي‏.‏

‏(‏قوله والثالث خطأ‏)‏ قال ابن الكمال‏:‏ ولو على عبد، إنما قال ذلك؛ لأن المتبادر إلى الوهم من كون العبد مالا أن يكون ما ذكر من قبيل ضمان الأموال فلا يكون على العاقلة ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله وهو نوعان‏)‏؛ لأن الرمي إلى شيء مثلا مشتمل على فعل القلب وهو القصد وعلى الجارحة وهو الرمي، فإن اتصل الخطأ بالأول فهو الأول، وإن اتصل بالثاني فهو الثاني عناية ‏(‏قوله ظنه صيدا‏)‏ انظر هل يعتبر ادعاء الظن أو لا بد من تحققه أولا بأن يشهد عليه ط، ثم نقل ما لا يتم منه المراد وسنوضح ذلك في باب الشهادة على القتل إن شاء الله تعالى ‏(‏قوله غرضا‏)‏ بمعجمتين بينهما راء متحركة وهو الهدف الذي يرمي إليه ‏(‏قوله فأصاب رجلا‏)‏ مرتب على قوله ثم رجع أو تجاوز ‏(‏قوله ورجوعه بسبب آخر‏)‏ وهو إصابة الحائط المسببة عن الرمي ‏(‏قوله فكلام صدر الشريعة فيه ما فيه‏)‏ فإنه شرط في الخطأ في الفعل أن لا يصدر عنه الفعل الذي قصده بل يصدر فعل آخر ويرد عليه ما مر من إنه إذا رمى غرضا فأصابه ثم رجع عنه أو تجاوز عنه فأصاب رجلا يتحقق الخطأ في الفعل والشرط مفقود في الصورتين، وإذا سقط من يده خشبة أو لبنة فقتل رجلا يتحقق الخطأ في الفعل ولا قصد فيه أفاده ابن الكمال‏.‏ قال ط‏:‏ لكن سيأتي قريبا أنه مما جرى مجرى الخطأ ‏(‏قوله إن أصاب خلافه‏)‏ أي شخصا غيره ‏(‏قوله والقتل فيه معذر‏)‏ أي القصاص فيه ممتنع ‏(‏قوله حالة النوم‏)‏ أي نوم الشخص ‏(‏قوله إن أبقى دما‏)‏ أي تركه ينهر‏.‏ أي يسيل منه، والذي في الوهبانية يقطر، وانظر ما وجه التقييد بحالة النوم‏:‏ وقد مر أن الإبرة إذا أصابت المقتل ففيه القود، ولعل وجهه أن محل القصد غير مقتل، وإذا كان غير نائم وترك دم نفسه يسيل يكون موته منسوبا إليه فليتأمل

‏(‏قوله والرابع ما جرى مجراه إلخ‏)‏ فحكمه حكم الخطأ في الشرع، لكنه دون الخطأ حقيقة فإن النائم ليس من أهل القصد أصلا، وإنما وجبت الكفارة لترك التحرز عن نومه في موضع يتوهم أن يصير قاتلا، والكفارة في قتل الخطأ إنما تجب لترك التحرز أيضا، وحرمان الميراث لمباشرة القتل وتوهم أن يكون متناعسا لم يكن نائما قصدا منه إلى استعجال الإرث، والذي سقط من سطح فوقع على إنسان فقتله أو كان في يده لبنة أو خشبة فسقطت من يده على إنسان أو كان على دابة فأوطأت إنسانا فقتله مثل النائم لكونه قتلا للمعصوم من غير قصد كفاية ‏(‏قوله لترك العزيمة‏)‏ وهي هنا المبالغة في التثبت‏.‏ قال في الكفاية‏:‏ وهذا الإثم إثم القتل؛ لأن نفس ترك المبالغة في التثبت ليس بإثم، وإنما يصير به آثما إذا اتصل به القتل فتصير الكفارة لذنب القتل وإن لم يكن فيه إثم قصد القتل ا هـ‏.‏ تأمل

‏(‏قوله وواضع حجر‏)‏ أي إذا لم ينحه غيره، فإن نحاه فعطب به رجل ضمن المنحي كما سيذكره المصنف في باب ما يحدثه الرجل في الطريق ‏(‏قوله في غير ملكه‏)‏ قيد للحفر والوضع درر، فلو في ملكه فلا تعدي فلا دية ولا كفارة ط ‏(‏قوله من السلطان‏)‏ الظاهر أن المراد ما يعم نائبه ط ‏(‏قوله ونحو ذلك إلخ‏)‏ أي نحو الخشبة كقشور بطيخ فيضمن ما تلف به كما أفتى به قارئ الهداية، وكذا إذا رش الطريق‏.‏ قال في الذخيرة‏:‏ كذا أطلقه في الكتاب، قالوا إنما يضمن الراش إذا مر المار على الرش ولم يعلم به بأن كان ليلا أو المار أعمى، وكذا المرور على الخشبة أو الحجر‏.‏ ومن المشايخ من فصل بوجه آخر وقال‏:‏ إن رش بعض الطريق حتى أمكنه المرور في الجاف لا ضمان، وإن رش فناء حانوت بإذن صاحبه فالضمان على الآمر استحسانا وتمامه في التتارخانية‏.‏

‏[‏فرع‏]‏

تعقل بحجر فسقط في بئر حفرها رجل فالضمان على واضع الحجر فلو لم يضعه أحد فعلى الحافر، وكذا لو زلق بماء صبه رجل فوقع في البئر فالضمان على الصاب، ولو بماء مطر فعلى الحافر تتارخانية‏.‏ وفي الجوهرة القول قول الحافر أنه أسقط نفسه استحسانا ‏(‏قوله وكل ذلك‏)‏ أي ما تقدم من أقسام القتل الغير المأذون فيه ط قوله لو الجاني مكلفا‏)‏ فلو صبيا أو مجنونا يرث كما في شرح السراجية للسيد ط ‏(‏قوله لعدم قتله‏)‏ أي مباشرة، وإنما ألحق بالمباشر في إيجاب الضمان صيانة للدم عن الهدر على خلاف الأصل فبقي في الكفارة وحرمان الميراث على الأصل كفاية والله أعلم‏.‏